الأثير و الفراغ !
يعود أصل الإشكال في ما يسمى بالأثير إلى المعضلة التي خلقها مفهومي الحركة و السكون داخل الأوساط العلمية في ما مضى من تاريخ الفيزياء، و المتفق عليه حينها " أن الحكم على جسم ما بأنه متحرك أو ساكن و بشكل قاطع يحتاج إلى مرجع ثابت للملاحظة، و بدون المرجع الثابت لا يمكن معرفة الحركة من السكون ". و هذا الأمر جعل دراسة حركة الكواكب و الأقمار، حول نفسها و حول الشمس، و دراسة حركة هذه الأخيرة داخل المجموعة الشمسية و حركة المجموعة الشمسية نفسها داخل درب التبانة و حركة مجرة درب التبانة نحو مجرات أخرى..
كل هذه الحركات المعقدة جعلت العلماء حيال مشكلة البحث عن الحركة الحقيقية، فحاولوا الخروج منها بافتراض أن هناك مادة ثابتة تملأ الفضاء يطلق عليها الأثير بحيث تُنسب إليه جميع الحركات و يعد كمرجع كوني ثابت. و بهذا الشكل توصلوا إلى أن كل جسم متحرك فهو متحرك بالنسبة للأثير و سرعته مقاسة بالنسبة للأثير، حتى سرعة الضوء هي سرعته بالنسبة للأثير. دليلهم في ذلك الطبيعة الموجية للضوء باعتبارهم أن الضوء لا بدّ له من وسط ينتشر فيه مثله مثل الصوت الذي ينتشر في الهواء و ينعدم في الفراغ، و موجات البحر التي تنتشر في الماء، و بما أن الضوء يصلنا من النجوم البعيدة فالأمر يستدعي وجود وسط يمتد ويملأ الكون ينتقل الضوء خلاله و هو ما أطلقوا عليه بالأثير.
جدال طويل دار حول الموضوع و عن ماهية الأثير و خصائصه، إلى أن جاءت تجربة العالمان مايكلسون و مورلي سنة 1881 لإثبات وجود هذا الكيان الغامض في نظر الفيزياء، و ذلك عن طريق قياس تأثير حركة الأرض داخل الأثير على سرعة الضوء و حساب سرعة الضوء في وضعيتنن مختلفين (الصورة المرفقة):
* الأولى : أن تكون سرعة الضوء في نفس اتجاه سرعة الأرض في مدارها حول الشمس، مرّة في نفس منحى الحركة و مرّة أخرى في المنحى المعاكس.
* الثانية : أن تكون سرعة الضوء عمودية على سرعة الأرض في مدارها حول الشمس.
و كتوضيح بسيط لهذه التجربة، ففكرتها تقوم على كون الأرض تدور داخل الأثير بسرعة معينة و هي بذلك تحدث تياراً في الأثير بهذه السرعة (لو تصورنا مثلا كرة تدور داخل الماء، فالماء المحيط بالكرة سيدور أيضا بفعل هذه الحركة بنفس سرعة دوران الكرة)، و لو أن شعاعا ضوئيا سقط على الأرض في اتجاه التيار الذي أحدتثه الأرض داخل الأثير فسرعته ستزداد بالضرورة بنفس سرعة هذا التيار. أما إذا سقط في اتجاه معاكس للتيار فإن سرعته ستنقص بمقدار سرعة التيار. و كانت هذه فكرة التجربة التي عمل مايكلسون و مورلي على تطبيقها بدقة اعتمادا على طاولة و مرايا و مصدر ضوئي و شاشة لرصد هذا الضوء (يمكن البحث عن التجربة لمزيد من الوضوح)، و العجيب في كل هذا أن التجربة لم تسجل أي فرق في سرعة الضوء في الحالتين الأولى والثانية، مع أن التجربة أعيدت في أماكن و فصول مختلفة ! و قد اعتبرت هذه النتيجة السلبية بمثابة الصدمة التي زعزعت الإفتراض القائل بوجود الأثير، إذ كيف يمكن أن يكون هناك أثير بينما تبقى سرعة الضوء ثابتة لا تتغير !
في غياب أي بديل آخر لدراسة الحركات السابقة تم الإحتفاظ بنظرية الأثير رغم عدم توافقها مع النتائج التجريبية، إلى أن جاء إنشتاين (الذي كان يعتبر نظرية الأثير مجرد خرافة) بنظرية النسبية التي تفنذ وجود وسط ثابت أو مرجع ثابت في الكون بل كل ما هنالك أن جميع أجزاء الكون في حالة حركة مستمرة. و بالتالي لا يمكن القطع بأن جسماً ما يتحرك و الآخر ثابت و إنما نقول أن الجسم الأول يعتبر متحركاً بسرعة معينة بالنسبة للجسم الثاني. و بهذا قطعت النسبية الشك باليقين و ضحدت الإعتقاد القائم على وجود الأثير. بينما تم تفسير انتشار الضوء في الفراغ (بسرعة تعد أكبر سرعة يمكن الوصول إليها في الكون) بانتشار متزامن لمجالين كهربائي و مغناطيسي، و هذا موضوع آخر.
في الصورة : نموذج طبق الاصل لجهاز ميكلسون موجود في مبنى ميكلسون ب بوتسدام حيث قام بإجراء تجربته عام 1881
-عبد العزيز العمراني-
في غياب أي بديل آخر لدراسة الحركات السابقة تم الإحتفاظ بنظرية الأثير رغم عدم توافقها مع النتائج التجريبية، إلى أن جاء إنشتاين (الذي كان يعتبر نظرية الأثير مجرد خرافة) بنظرية النسبية التي تفنذ وجود وسط ثابت أو مرجع ثابت في الكون بل كل ما هنالك أن جميع أجزاء الكون في حالة حركة مستمرة. و بالتالي لا يمكن القطع بأن جسماً ما يتحرك و الآخر ثابت و إنما نقول أن الجسم الأول يعتبر متحركاً بسرعة معينة بالنسبة للجسم الثاني. و بهذا قطعت النسبية الشك باليقين و ضحدت الإعتقاد القائم على وجود الأثير. بينما تم تفسير انتشار الضوء في الفراغ (بسرعة تعد أكبر سرعة يمكن الوصول إليها في الكون) بانتشار متزامن لمجالين كهربائي و مغناطيسي، و هذا موضوع آخر.
في الصورة : نموذج طبق الاصل لجهاز ميكلسون موجود في مبنى ميكلسون ب بوتسدام حيث قام بإجراء تجربته عام 1881
-عبد العزيز العمراني-
إرسال تعليق