ارتفاع "عتبات المعاهد العليا" ينهي أحلام الحاصلين على الباكالوريا


بعد نَجاحهم في امتحان الباكالوريا، تبدأ استعدادات التلاميذ من أجل الإعداد لمباريات ولوج المعاهد والمدارس العليا، مُعلنين بذلك بداية مسارهم الجامعي الذي قد يشقونه باجتيازهم المباريات بنجاح، أو عدم تمكنهم من ذلك؛ ما يفتحُ أمامهم خيار ولوج الكليات أو الالتحاق بمدارس خاصة.

سوء التوجيه الجامعي وارتفاعُ عتبات الانتقاء الأولي، ومحدودية عدد المقاعد الخاصة ثم صدمة الفشل في مباريات ولوج المعاهد والمدارس العليا، عوامل تجعل التلاميذ عرضة للإحباط والبحث عن بدائل أخرى، وإن كانوا قد حصلوا على نقط وميزات حسنة علّقوا بها أحلامهم على شُعَب وتخصصات طالما خططوا من أجل إتمام دراستهم فيها.

أحلام تتبخر

مع انتهاء السنة الختامية من التعليم الثانوي، تبدأ تجربة اجتياز المباريات، بعد تحديد عتبات الانتقاء التي دائما ما يُعاد طرح السؤال حولها؛ إذ يتم رفعها بشكل يقصي عددا كبيرا من التلاميذ المتفوقين ولا يمنحهم فرصة اجتياز المباراة الكتابية.

صفاء، حاصلة على شهادة الباكالوريا هذه السنة في شعبة العلوم الرياضية بميزة “حسن”، لم تتمكن من اجتياز مباراة المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية، بعدما تم رفع عتبة الانتقاء إلى معدل 15,88.

“تكسّر حلمُ الهندسة المعمارية التي كنت أخطط من أجل دراستها، رغم أنني حصلت على 15,20، وكان ممكنا تحديد عتبة الانتقاء في معدل 14 لتمنح الفرصة لكل الطلبة المتفوقين”، تقول صفاء بنبرة قلقة ودموع الإحباط تمنعها من القدرة على الكلام.

وترى صفاء، في تصريح لهسبريس، أنه “لا يُعقل أن يكون ارتفاع عتبة الانتقاء سببا في حرماننا من اجتياز المباريات، لو قدروا على الأقل نقطنا خصوصا ونحن في شعبة علوم رياضية. الحصول على 15 في هذه الشعبة كاف لكي تفتح في وجهنا كل المباريات، بدون تعقيدات أو عراقيل غير معقولة”.

بالنسبة لصفاء، حلم الهندسة صار مجرد كلام الآن لأنها تؤمن بتحديد اختيار أنسب، ولا تفكر في اجتياز بقية المباريات، مشيرة إلى أن “مقولة بْحالْ 16 بْحالْ 10 صحيحة، كنت أسمع الكثير من الطلبة يقولونها، ويقولون كُلْشي بحال بحال، كلشي كيكمل فْلافاكْ، واليوم تأكدت من ذلك”.

عتبات “غير معقولة”

ليست صفاء الوحيدة التي ذاقت مرارة ارتفاع عتبات الانتقاء الأولي؛ فالكثير من الحاصلين على الباكالوريا ضاعت أحلامهم وتبخرت بعدما حلموا بمعاهد ومدارس، ليُطرح السؤال حول إشكاليات كثيرة متعلقة أساسا بالنظام التعليمي والجودة والطاقة الاستيعابية للمدارس العليا.

وفي هذا الصدد، يرى عبد اللطيف سهلي، مختص في التوجيه بمدينة الجديدة، أن العتبات التي يتم تحديدها “غير معقولة”، مُعتبرا أن “الانتقاء يعتمد على عتبات عالية جدا، وبذلك يتم حرمان وإقصاء الكثير من المتفوقين. وفي رأيي، كل التلاميذ الحاصلين على معدل 14 لا يجب حرمانهم من المباراة”.

وقال سهلي في تصريح لهسبريس: “التلاميذ الذين حصلوا على معدل 14 ولم تعط لهم الفرصة لاجتياز المباراة، هذا أمر ظالم، والمدارس العليا يجب ألا ترفعَ العتبات رغم كل الحجج، لأنهم يربطون تحديد العتبة بالطاقة الاستيعابية وبمسألة تنظيم المباراة لعدد كبير من الطلبة”.

ولمنح فرصة اجتياز المباريات لكل المتفوقين، اقترحَ سهلي أداء التلاميذ مبلغا رمزيا من أجل تغطية تكلفة المباراة، موضحا أن “المدارس تقول إن المباراة تفرض مصاريف كثيرة، في ما يتعلقُ بتغطية تكلفة التصحيح والأوراق، أرى أنه ليس عيبا إذا طلبنا من التلاميذ أداء واجب المشاركة في المباراة، مع وضع عتبة معقولة تمنحهم الفرصة لذلك”.

وفي ما يتعلقُ بالطاقة الاستيعابية للمدارس، يرى المتحدث أنه “نحتاج للجرأة في اتخاذ القرارات، ويجب الانفتاح على عدد كبير من المدارس لأنها قليلة، مثلا سبع كليات بالمغرب هو عدد غير كاف، يجب أن يتضاعف عدد مدارس العلوم التطبيقية والتجارة والتسيير وبقية الشعب”.

ولمواكبة ميول التلاميذ الذين لم يتمكنوا من اجتياز المباريات مباشرة بعد الباكالوريا، يرى سهلي “ضرورة أن تتاح الفرص دائما للطلبة، مثلا في كلية الطب، ومع الإصلاح الجديد في نظام الكلية، يجبُ أن تمنح لطلبة شعبة الحياة والأرض فرصة ولوج الكلية بعد سنتين حتى تتاح الفرصة للذين لم يتمكنوا من النجاح في مباراة الكلية من الأول كي لا يتكسر حلمهم”.

إشكالية التوجيه

يظلُ التوجيه الجامعي ضروريا من أجل تحديد الاختيارات بشكل صحيح، وللحسم في ميول التلاميذ تفاديا لحالة إعادة التوجيه، أو التذبذب في المسار الجامعي.

وبحكم تجربته مع الناجحين في البكالوريا، قال أيمن شراكي، أستاذ التعليم العالي خبير في التوجيه، إنه “في أغلب الحالات تحصل إعادة التوجيه ابتداء من السنة الأولى أو الثانية”، مشيرا إلى أنه “صعب جدا أن يُحسن الطالب اختيار التوجيه لعدم كفايته رغم وجود آليات”.

وبخصوص إشكاليات التوجيه، وضح شراكي، في تصريح لهسبريس، أنه “في الثانوية العمومية يعتمد الأخصائي في التوجيه على طريقة ميكانيكية جافة بحتة، وبناء على النقط، يخبر التلميذ بإمكانية اختياره لشعبة مُعينة”، مشيرا إلى أن “قدرات الطالب هي لحظية آنية، ربما قد تتغير مع الوقت وتظهرُ ميوله، وبالتالي التقييم لا يأخذ بعين الاعتبار الطموحات ومكامن القوة ومكامن الضعف”.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-